الحلقة التاسعة (مصطفى سيف)

السندريلا والأميرة النائمة
 
 
محتضنا المعطف كطفل صغير يحمل دميته ويخاف ان ياخذها منه احد لقد وجد سعادته مع ذلك المعطف وبه ينظر بين الوجوه في الميدان باحثا عن سندريلا التي نست معطفها وهربت قبل بزوغ الفجر
ينظر الى العيون ويلمس نبض القلوب حتى يصل اليها
أين انتي؟
من أنتي ؟
بين كل تلك الملايين المنتشرة في ارجاء الميدان  يناديها
وبينما يبحث وينظر ويتدقق شعر انه مراقب نعم ذلك الشعور حين ينظر اليك شخص ما نظرات مباشرة لا يرفع عينيه عنك
عيناه كأنها كشافين نور يسلطهما على وجهك فتغشى عيناك ولا ترى وهو ممن يكرهون ان تسلط عليه الاضواء فالكاتب دوما يتوارى خلف الكواليس تاركا الشهرة والاضواء لابطال قصته
 هاملت عطيل مكبث ربما يكونون اشهر من شكسبير فنحن نعرف قصصهم وتاريخ حياتهم بينما يندر ما نعرفه عن حياة شكسبير لذلك هو يتوارى ويخاف من الاضواء 
نظر الى مراقبه اذ هي فتاة باهرة الجمال تراقبه شعر بالحيرة فتقدم نحوها قال لها : هل هذا المعطف لك؟
صمتت لم تنبس بشفة تعجب هو لماذا تنظر الي هكذا هل هناك شيء لا يروقها
كرر عليها السؤال فصمتت واومأت فقط برأسها وضع  المعطف بين يديها
وبدا حديث القلوب الصامت حديث لا تنطقه الشفاه
- نعم انه انت .
انه انت من بحثت عنه طيلة الاعوام الماضية من انتظرته ليحملني على فرسه الابيض ويطير بي بعيدا الى عالم آخر عالم عشت فيه اعواما واعواما  لقد انتظرتك ثلاثين عاما هي فترة حياتي على تلك الارض رسمت لك صورا في خيالي ربما كانت صورتك في خيالي اجمل منك الآن لكن قلبي يحدثني انه انت من انتظرتك انه انت من ملك قلبي وعقلي من قبل ان اعرفه او اراه انت من عشت معه مراهقتي وصباي انت من غنيت له اغاني عبد الحليم و فيروز
الا تتذكر حين اردت ان استنشق رائحة البحر فحملتني على بساطك السحري وطرت بي بعيدا حيث الشاطىء
الا تتذكر خمائل الورود التي نحتنا عليها قلوبا وتعاهدنا الا نتباعد؟
اما تتذكر حين سألتك متى ستحملني وتاسرني داخل عالمك فلا اعود لعالمي فلم تجبني
- بالتأكيد لستي انتي 
لستي انتي من اقتحمت حياتي بالامس لتضخ الدماء في عروقي وتنبئني انني ما زلت احيا على تلك الارض لست انتي من أسرتني في تلك البقعة بين الادراك واللا ادراك لستي انتي من جعلت الشموس تدور لها والبلابل تغرد لها وصنعت شخصيات عديدة  فقط كي ارسم لها السعادة
انك جميلة حقا ولكنك لستي انتي قلبي اسير امرأة لم ارها رسمتها وصنعتها من الكمال فدبت بها الحياة وحين اشتد عودها اسرتني وهربت كالسندريلا قبل بزوغ الفجر
-----------
كانت هائمة حالمة تنظر فقط الى عينيه تستجديه ان يحملها بعيدا على صهوة جواده
كان حزينا عيناه لا مبالية بنظراتها فصاحبة المعطف ليست السندريلا التي يظنها و ها هو يعود الآن بلا معطف وبدونها بحسرة العالم يدور على عقبيه مبتعدا لم يرى نظرات الهلع على وجهها وهي تراقبه يبتعد
أمعقول بعد كل ذلك الانتظار تبتعد هكذا؟ لقد انتظرتك طويلا يا فارسي ويا اميري
ناديتك طويلا في عالم الارواح قلت لك انا اسيرتك وحبيبتك ودميتك انا انت الم تسمعني؟
لقد ظننتك سمعتني فاتيتني لتنتشلني فكيف تتركني هكذا
هل انا نائمة ولم ارك حقيقة ام كنت حالمة رأيتك فاستيقظت على نظراتك اللامبالية بحالي
آآآآآآه يا قلبي عشت اعواما تنتظر من لا يأتي ومن ليس له وجود
الهتافات تعلو في الميدان (الشعب يريد اسقاط النظام)
النظام الذي تحكم بها اعواما طويلة كانت لحظات السعادة في تلك الاعوام هي فقط الاحلام احلام اليقظة واحلام النوم كلها كانت ملك فارسها الذي يأخذها على صهوة جواده ويطير بين السحاب يجرون بين النجمات يجلسون على سطح القمر يضحكون يتغامزون ينتشلون من الواقع المرير لحظات المرح
ظلت كالأميرة النائمة احلامها فقط هي ما تبقيها حية كانت الاحلام زادها وقوتها وتنتظر فارسها المغوار الذي يتخطي الاسوار لينتزعها من احلامها الى واقعها السعيد لكن حين اتى فارسها نظر اليها بلا مبالاة وتركها وحيدة تصارع الواقع والنوم تصارع الحياة والموت وحدها فيالحسرتها
الشعب يريد اسقاط النظام
نعم حان الموعد يا دموعي ان تتوقفي وان اثور عليك يا حلمي لن اصبح اسيرتك وها هو معطفك الذي من الممكن ان يكون ذكراك الوحيدة سألقيه على جنبات الميدان حتى امحو ذاكرتك واستقبل حياتي بدونك
وبالفعل القت المعطف على جنبات الطريق وعادت الى الجموع هاتفة : ارحل ارحل
بينما هو كان يبحث عن زهرته السندريلا في ميدان غني بالزهور لكن هل لها وجود قد صنعها من الكمال فالكاتب دوما يبحث عن الكمال والجمال اللانهائي
 لكن شيء ما في عينيها لا يدعه يفكر في سواها فكشافات الضوء قد تبهر عينيك في البداية وتغشيهما ولكن بعد بعض الوقت تتعود فترى الصورة اوضح لذلك تملكه احساس العودة اليها فعاد ادراجه اليها
نظر اليها قائلا : اين المعطف
- تخلصت منه فهو ليس لي
- لكنك قلتي هو لك
-نعم ظننت ذلك لكن فارس الاحلام لا يوجد الا في الحكايات فانا الاميرة النائمة التي انتظرت فارسها يوقظها من نومها
تعجب من اجاباتها لكنه وجد نفسه يقول :السندريلا ايضا لا توجد الا في الحكايات
فابتسمت قائلة : اذا لماذا لا نصنع حكايتنا بانفسنا؟
حين قالت ذلك لم يستطع ان يمنع نفسه من التمعن في عينيها لقد تحولت كشافات النور الى بحور عميقة بحور بلا شطئان بحور تغرق من يريد ان يسبح فيها رأى في عينيها كل قصصه ورواياته رأى كل بطلاته اللائي كان يزيل لهن كل صعب
بل رأى نفسه التي كان لا يعرفها اين كنتي طوال الاعوام الماضية واين كنت طوال السنين
ابتسم: نعم لنصنع حكايتنا
الهتافات تتردد في الميدان (اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر )
نظر حوله  ليرى العديد من السندريلا اللاتي قررن التمرد على زوجات ابائهن الطغاة الفاسدين وراى العديد من الاميرات النائمات اللاتي قررن الاستيقاظ من غفوتهن لينقذن ما تبقى من واقعهن ورأى العديد من فوارس الاحلام يشرعون في حمل حبيباتهم على صهوة افراسهم ويطيرون بها بعيدا الى عالم الاحلام
نعم لنصنع حكايتنا هكذا قالت له وهكذا فهم وعرف لماذا دخل المعطف حياته ؟
دخل المعطف حياته ليعرف ان له قلبا مازالت له القدرة على النبض وعقل مازالت له القدرة على صنع الحكايات وروح مازالت لها القدرة ان تجد وليفها
لذلك اخذها على صهوة جواده وطار بها عاليا محلقا في سماء الحرية متحديا قوانين الطبيعة فهي معه وبها يستطيع ان يصنع حكاية جديدة سعيدة حكاية ميدان و حلم وحرية
بينما هي عندما القت المعطف وتمردت على احلامها لم تكن تعلم انها ستحوذ على فارسها وحلمها مرة اخرى لتصنع حكاية جديدة حكاية كتبها قلبين وروحين واحلام عديدة

ليست هناك تعليقات

Leave a Reply

Blogger news

Blogroll

About